كيف يفسر علماء الآثار المعثورات الأثرية
يتبع الآثاريون ثلاث خطوات أساسية في تفسير الدليل الذي يعثرون عليه وهي : 1- التصنيف 2- التأريخ 3- الدراسة والتحليل .
التصنيف
يمكن لعلماء الآثار تفسير المعثورات الأثرية ، إذا ما استطاعوا معرفة أنماط انتشار الأدوات زمانًا ومكانًا . وللوصول إلى هذه الأنماط يجب عليهم أولاً تصنيف الأدوات في مجموعات تحوي كل مجموعة معثورات متشابهة . والنظامان الأساسيان للتصنيف هما : النوعي والتتابعي ( التتابع الطرزي ) .
التصنيف النوعي . تصنف المواد ضمن مجموعات حسب أشكالها ، وطرق صنعها ، ووظائفها . وتدعى كل مجموعة من هذه المعثورات نوعًا . فمثلاً تُمثِّل جميع القدور الخزفية المتشابهة التي يعثر عليها في موقع واحد نوعًا واحدًا ، في حين تُمثِّل قدور أخرى متشابهة من موقع آخر نوعًا آخر .
التصنيف التتابعي ( التتابع الطرزي ) . ترتب المواد ذات النوع الواحد كلها في سلسلة تعكس التغيرات في الطراز . وهذه التغيرات إما أن تكون قد حصلت تدريجيًا مع مرور الزمن ، أو نتيجة انتشار حضارة منطقة في مناطق أخرى . وفي حالات كثيرة يجب معرفة عمر المواد لتحديد المادة الأولى والأخيرة في السلسلة .
التأريخ
لعلماء الآثار طرق مختلفة لتحديد أعمار المعثورات القديمة ويمكن تقسيم هذه الطرق إلى نوعين أساسيين هما : 1- التأريخ النسبي 2- التأريخ المطلق .
التأريخ النسبي - محاولة معرفة قِدم بعض المعثورات بالنسبة لبعضها الآخر . ولهذا فإن طريقة التأريخ النسبي تقدم مقارنات ولا تقدم تواريخ حقيقية . فمثلاً يستطيع علماء الآثار تحديد الأعمار النسبية للعظام التي يعثرون عليها في موقع ما ، من خلال قياسهم لما تحتويه هذه العظام من الفلور ، ذلك لأن الفلور في المياه الجوفية يحل محل عناصر أخرى في العظام ويزداد بمرور الزمن . وبالتالي فإن العظام الأقدم عمرًا هي تلك التي تحتوي على كمية أكثر من الفلور .
التأريخ المطلق . يحدد عمر المعثور بالسنوات . وهناك طرق عديدة للتأريخ المطلق . والطريقة التي تستخدم في كل حالة ترتكز بصورة رئيسية على نوعية المادة التي يحدد تأريخها .
والطريقة الأوسع استخدامًا لتحديد تأريخ بقايا النباتات القديمة أو الحيوانات أو الكائنات البشرية هي التأريخ بالكربون المشع . وتعتمد هذه الطريقة على حقيقة مفادها أن الكائنات الحية كلها تمتص باستمرار نوعين من ذرات الكربون ، وهما الكربون 12 والكربون 14 . وتسمى ذرات الكربون 14 أيضًا بالكربون المشع ، وهي ذرات غير مستقرة ، وتتحول إلى ذرات نيتروجينية. ولذلك فعندما يموت كائن ما فإن نسبة الكربون 14 إلى الكربون 12 تتناقص بدرجة معينة لتصل إلى نسبة معروفة . ونتيجة لهذا يستطيع علماء الآثار حساب عمر عينة ما عن طريق قياس كميات الكربون 12 والكربون 14 المتبقية فيه . وتعد الطريقة التقليدية المتبعة في قياس الأعمار دقيقة لحساب أعمار الكائنات التي تعود إلى 50000 سنة . أما التقنية الأحدث التي تستخدم الجهاز الذي يُعرف بمعجل الجسيمات ، فهي تعد طريقة دقيقة لحساب أعمار الكائنات التي يصل عمرها إلى 60000 سنة . وهذا ينطبق أيضًا حتى على أصغر العينات . انظر : الكربون المشع ؛ معجل الجسيمات .
يستخدم علماء الآثار تأريخ الأرجون بوتاسيوم لإيجاد أعمار تكونات صخرية معينة تحوي مواد أثرية . وتحتوي هذه الصخور على البوتاسيوم 40 المشع ، الذي يتحول إلى غاز الأرجون 40 بنسبة ثابتة . ويقوم العلماء بقياس كمية كل عنصر موجود ثم احتساب عمر الصخرة . وقد استخدمت هذه الطريقة لتأريخ تكونات صخرية وعظام وأدوات وُجدت بشرقي إفريقيا . وقد وُجِدَ أن عمر الصخرة حوالي مليون وثلاثة أرباع المليون سنة مما يشير إلى أن العظام والأدوات أيضًا من العمر نفسه .
وأفضل طريقة معروفة لتأريخ الخشب هي التأريخ بحلقات الأشجار . وتقوم هذه التقنية على احتساب حلقات النمو السنوية الظاهرة على المقاطع العرضية للأشجار المقطوعة . ويقوم علماء الآثار بمطابقة نموذج حلقات شجرة قديمة ، يُعثَر عليها في موقع ما ، مع حلقات تلك المواد الخشبية القديمة لتحديد عمر الموقع . ويعتبر التأريخ بحلقات الأشجار هو الأكثر دقة في كافة مجالات التأريخ ، ولكنه يُستخدم فقط مع المواد الخشبية التي لا يتجاوز عمرها حوالي 8000 سنة .
الدراسة والتحليل
يقوم علماء الآثار بدراسة الأدوات والظواهر وتحليلها بغية الحصول على معلومات مثل : كيف صنعت الأدوات وأين استخدمت . وفي بعض الأحيان يحصل العلماء على معلومات من خلال التجربة المباشرة . ففي أواسط الثمانينيات من القرن العشرين قام آثاريون من كمبردج بإنجلترا بإعادة بناء سفينة إغريقية كلاسيكية وتسمى تريريم وأبحروا بها . وبهذه الطريقة تعلموا الكثير عن صناعة السفن الإغريقية وفن الملاحة في العصور القديمة . وتساعد الأدوات والظواهر على تفسير الحياة الاجتماعية التي كانت قائمة في الأزمنة القديمة . فحجم البيوت يمكن أن يبين عدد الناس الذين كانوا يعيشون في بيت واحد . وتدل كمية الأحافير التي يُعثر عليها في أحد القبور وقيمتها ، على الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الشخص المدفون .
أما تقويم المعثورات الطبيعية ، فيكشف عن معلومات ، مثل نوع الطعام الذي كان الناس يتناولونه وما إذا كانوا ينتجون المحاصيل أو يجمعون النباتات البرية . ويمكن للمعثورات الطبيعية أن تكشف أنماط الهجرات القديمة . فوجود بذرة من الحبوب غريبة عن المنطقة مثلاً ، يمكن أن يكشف عن كيفية وتاريخ انتقال المواد من مكان إلى آخر .
وقد يقوِّم الأثريون الدليل الأثري بمساعدة متخصصين في حقول أخرى . فعلماء الحيوان يساعدون في التعرف على عظام الحيوانات ، وطرق الذبح التي كانت سائدة . كما يقوم علماء النبات بتحليل البذور ، ليحصلوا على معلومات حول النشاطات الزراعية القديمة . ويعمل مع الآثاريين أيضًا متخصصون آخرون مثل الجيولوجيين والمعماريين والمهندسين . ويعمد المتخصصون في بعض الحالات إلى تشغيل أجهزة الحاسوب التي تيسّر عملية التقويم وتعجّل بها إلى حد كبير .